لقد خاض الشعب الإرتري كل ضروب النضال والمجاهدات السلمية منذ أربعينيات القرن الماضي في مواجهة قوى الاستعمار والهيمنة، ولكن مع تكالب القوى الاستعمارية وتماديها في الجبروت والطغيان، لم تجد الوسائل السلمية فتيلا في انتزاع حقوق شعبنا، ولذا جاءت انطلاقة شرارة الكفاح المسلح في الفاتح من سبتمبر 1961م من اولئك النفر الاشاوس بقيادة الشهيد البطل حامد ادريس عواتي بصدور عارية سوى من الإيمان بالله و الثقة بالنصر الحتمي للثورة .
بذل ذلك الجيل الفريد قصارى جهده للقيام بواجبه، على الرغم من تواضع الإمكانات ، متسلحين بعدالة قضيتهم، و بقناعة لا يتطرق اليها الشك، وخاضوا عمليات قتالية متنوعة بتنوع حيل العدو، والذي سلك كل السبل في مواجهتهم من أجل أن يفت في عضدهم، إلا أن ذلك لم ينل من عزيمتهم، بل زادتهم التجارب وصقلتهم المحن، والتحق بهم غيرهم لما رأي من صدق توجههم، وحسن مقصدهم، وصدق وطنيتهم ، ووضوح رؤيتهم، ونبل هدفهم في الحرية و الاستقلال. لم تثنهم وحشة الطريق، و قلة السالكين، وكثرة الرافضين، وغياب النصير، وانعدام الظهير عن المضي قدماً لتحقيق أهدافهم ، وكان لعدوهم الصولة والجولة واليد الطولى على الصعيدين الاقليمي والدولي ، وصداقة متينة مع القوى العظمى التي غمطت الشعب الارتري حقه في تقرير مصيره، وبناءاً على ذلك لم يكن إعلان الكفاح المسلح على هوى كثيرين في المنطقة لأنه كان خياراً إرترياً خالصاً .
ومنذ ذلك التاريخ، ما انفك الشعب الارتري يفخر بنضالاته كلما مر عليه عبق الفاتح من سبتمبر من كل عام ، وحق له أن يفتخر بعد أن قدم خلال مسيرته الطويلة الغالي والنفيس من النفس والمال مهراً لانتزاع حريته واستقلاله .
تمر هذه الذكرى على الشعب الارتري كغيرها من الذكريات التي مرت خلال العقود الثلاثة الماضية ، والأسى يملأ الجوانح ، والحسرة تمزق الفؤاد، إنعداماً للحرية ، وغياباً للعيش الكريم، اغتيالاً واعتقالاً،وتذويباً ثقافياً، وتغييراً ديمغرافياً، واستمراراً للانتهاكات الممنهجة على مختلف الصعد سيما الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها ،الأمر الذي أدى بكثير من الارتريين أن يختار قسرا حياة اللجوء مجددا ، إضافة لآخرين انضموا لحياة اللجوء التي لم يضطروا إليها خلال فترة الاحتلال، لكن نظام افورقي رأى ان لا يفوتهم هذا (الشرف).
إن الحاجة ما زالت ماثلة لاستلهام معاني الفاتح سبتمبر السامية وقيمه الباذخة في مقاومة نظام افورقي الدكتاتوري وانتهاكاته التي طالت الشعب الإرتري بأسره.
و لا يخفى على الجميع إصرار نظام أسمرا على إرهاق واهلاك الشعب الارتري بحشر أنفه في الحرب الاثيوبية الاثيوبية بناءاً على تغير في مزاجه السياسي إزاء حلفائه قديماً وحديثاً ، ذكر في الماضي أن الأمهرا هم أعداء إرتريا، وأن التجراي و إرتريا في مركب واحد وخاضوا الحرب معاً كتفاً بكتف حتى نال الكل حقوقه، ثم طرأ تغيير في مزاج (الرئيس) حيث وضع التجراي في خانة الأعداء، والأمهرا في خانة الأصدقاء ، و بناءاً على هذا فإن على الارتريين اعتماد هذا المنتج وتسويقه حتى اشعار آخر، وكمعيار تحدد من خلاله مدى وطنية الإنسان الارتري وحبه لبلده!!!
كما نلاحظ مؤخراً المساعي المحمومة لتحسين صورة النظام ورأسه عبر تصويره بالمدافع عن سيادة البلاد والمنافح عنها، ولكن التاريخ القريب لن يسعف المدافعين الجدد عن أفورقي الذي تخلى عن سيادة البلاد على أرض عزيزة منذ الاستقلال، ولم يتذكر إرترية مثلث بادمي إلا بعد أن ساءت علاقاته مع حلفائه السابقين. إن افورقي بتدخلاته السافرة في شئون دول الجوار إرضاءاً لنزواته الشريرة وروحة الانتقامية يعرض أمن وسلامة وسيادة إرتريا لخطر ماحق.
إن مواجهة الدكتاتور الذي أحال حياة الإرتريين الى جحيم، وجعلهم يهيمون على وجوههم لاجئين مشردين بعيداً عن وطنهم الذي مهروه بدمائهم جيلاً بعد جيل، وبكل أنواع المواجهة يعد امراً في غاية الأهمية، ويجب أن يحظى بالأولوية القصوى بما يتطلب من الجميع ان يتحمل المسؤولية كاملة من أجل اسقاط هذا النظام .
إن التراخي في مواجهة هذا النظام، أو الزعم بأن مواجهته تعنى فئة معينة دون غيرها، أمر يضر كثيراً بمسيرتنا القاصدة للحرية والانعتاق من الطغيان والاستبداد، ولذا لا بد من تضافر الجهود وكلنا أمل بأننا منتصرون وواثقون من النصر مستغلين في ذلك كل الفرص المتاحة التي من شأنها تعزيز جهودنا، ورفد مسيرتنا بكل اسباب النصر.
إن إمكاناتنا اليوم، على كل الصعد، تفوق بكثير امكانات سلفنا عندما فجروا الثورة، سوى درجة إيمانهم العالية بعدالة قضيتهم وتضحيتهم وبسالتهم ،فاذا كان أسلافنا على هذا النحو من الوعي والفداء، فحري بنا أن ننفض غبار الهوان والاستسلام، و لابد من الاستعداد التام والتسلح بالوعي والإيمان واستدعاء قيم ومعاني سبتمبر الذكرى للمضي قدماً في مقاومة هذا النظام.