الفرق بين الهوية والمواطنة بقلم / محمد عمر مسلم




في البداية أهنئ الشعب الفلسطيني، الذي قدم نموذجا رائعا في ديمقراطية الانتخابات ، شهد بها خصومه قبل أصدقائه،

حتى في دول شعوبها تختلف مع في الهوية جملة وتفصيلا، دون أن يعني ذلك إلغاء هويتك الذاتية، وسوف أركز على تحرير مفهوم المواطنة، في مقالاتي هذه لأن الدكتور جلال كفى ووفى في مفهوم الهوية، ومع ذلك قد أتناول مفهوم الهوية من زويا أخرى ، تساعدني في تجلية الفروق بين الهوية والمواطنة ،،،،،،، جعل الله الإنسان خليفة في الأرض ليقوم بوظيفتين متلازمتين أحدهما مادية وهي عمارة الأرض، والثانية إيمانية وهي تحقيق العبودية الخالصة لله ، وبهذا يتحقق إشباع المكونات المادية و الروحية للإنسان، وفي ذلك توازن وعدل تستقيم معه حياة الإنسان . عليه أن المواطنة الفاعلة ترتكز على أربعة عناصر، الإنسان ( المواطن ) وتلبية حاجياته المادية والروحية ، أولها، والأرض ( الموطن) ثانيها، وثالثها، الشرع والمنهاج الذي يضبط ويحكم العلاقة بين الأفراد ، وبين الحاكم والمحكوم . إذن فالمواطنة،،، تعني الشراكة والمساواة في الحقوق والواجبات، و تلبية حاجيات الإنسان المادية والمعنوية، في وطن جامع حر، تحت مظلة دستورية ضابطة ما قامت عليه تلك الشراكة والمساواة، و ضامنة لها من خلال آليات دستورية وقانونية فاعلة. فعندما أقول أن المواطنة تعني الشراكة ،، قصدت بذلك شراكة العيش للأفراد أو الجماعات في وطن جامع حر، تتحقق فيه مضامين تلك الشراكة، وقصدت بالمساواة ،، المساواة في القيم الإنسانية، المبنية على وحدة الأصل والتكوين للإنسان، التي لا تتأثر باختلاف الأعراق والمعتقدات والزمان والمكان ، ومن تلك القيم حق الإنسان في الكرامة والحياة والحرية والعدل وحرية الاعتقاد والممارسة، ولم أقصد بالمساواة التجانس والتطابق بين مكونات المجتمع عرقيا وعقديا وثقافيا، لأن ذلك متعذر في المدنية الحديثة، لذا لا عبرة لاختلاف مكونات المجتمع، عند النظر في شروط عقد المواطنة، لأن المواطنة الفاعلة تنظر تلقائيا إلى تلك الاختلافات في مكونات المجتمع بنظرة إيجابية ، وتسعى لاستيعابها دون إقصاء أو تهميش، ليتم التفاعل والتمازج بينها في رحاب الشراكة الوطنية، فيتولد من ذلك مع الوقت ثقافة وطنية يجد كل طرف فيها نفسه ووجدانه، وهذا بدوره يدعم روح الشراكة و المواطنة في المجتمع،، وقصدت بتلبية حاجيات الإنسان المادية والمعنوية،، تحقيق القيم الإنسانية لكل فرد من المجتمع،من خلال تلبية احتياجاته المادة والمعنوية، من منطلق مفهوم الشراكة والمساواة في الحقوق والقيم الإنسانية من غير منة ولا أذى من السلطة، وقد بين صاحب نظرية سلم الحاجيات ( أبرا هام ماسلو ) رائد علم النفس الإنساني ، سلم تلك الحاجيات، وقد وضع في أعلى السلم الحاجيات الفسيولوجية ( حاجيات الإنسان المادية، ) يلي ذلك حاجات الأمن، ثم حاجة الانتماء ، وحاجة التقدير، وأخيرا حاجة تحقيق الذات ،،، الحاجيات الفسيولوجية ، تمثل من أهم الحاجيات الضرورية لحياة الإنسان ، ودافعا مهما لنشاطاته وموجها لسلوكه وتفاعله في المجتمع، وما لم تشبع في الإنسان تلك الحاجيات،تعرضت حياته للخطر، وهمته ونشاطه للفتور، وتراخت في نفسه رابطة الشراكة و المواطنة، فقل تفاعله وتغير فكره وسلوكه. الحاجيات الأمنية ،، قدر كافي من إشباع الحاجيات الفسيولوجية، يجعل الإنسان يبحث عن الأمن ، الذي يحفظ له ذلك القدر الكافي لإشباع حاجياته الفسيولوجية، والشعور بالأمن يزيد الإنسان عطاء وإنتاجا وإبداعا، وبفقدان الأمن تموت فيه روح العطاء والإنتاج، وتزهد نفسه في الإبداع والانطلاق في منا شط الحياة. حاجيات الانتماء،، قدر كافي من إشباع الحاجيات الفسيولوجية والأمنية ، تدفع الإنسان، لإشباع حاجة الانتماء، وذلك لطبعه الاجتماعي، والرغبة في هذا الانتماء محصلة لإشباع الحاجيات الفسيولوجية والأمنية للفرد، وتكمن أهمية إشباع حاجة الانتماء، لكونها عاملا مهما في تقوية اللحمة والترابط والتعاون والتراحم والتكافل بين أفراد المجتمع، فتقوى روابط الشراكة والمواطنة بين أفراد المجتمع. حاجيات التقدير ،، هذه الرغبة في الإنسان تلي إشباع رغبة الانتماء، فالتقدير عامل محفز للأفراد، فالمجتمعات التي تقدر جهود أفرادها ، تتولد في نفوسهم الثقة والشعور بالدور المهم والمؤثر والمفيد في حركة المجتمع،، وهذا بدوره يقوي الصلة بين الفرد ومجتمعه ، ولكن عندما لا تقدر المجتمعات جهود أفرادها ،عندها يحس الأفراد بالمهانة والتهميش، فيتمردون على هذا الواقع، ويسعون بكل وسيلة للفت الأنظار ورد الاعتبار . حاجة تحقيق الذات ،، عندما يتم إشباع حاجيات التقدير للأفراد، يسعى الجميع في مضاعفة الجهد والبذل كل في مجاله، تجاوبا مع التقدير ، ورغبة في تحقيق الذات، وما زال هناك مجتمع يقدر فيه الأفراد، فإن وتيرة التنافس في البذل والإنتاج والعطاء والإبداع تزداد بين أفراد المجتمع، ولا شك أن هذا سوف ينعكس إيجابيا في نمو وتطور المجتمع في شتى المجالات. أخلص مما سبق أن المواطنة شراكة بين أفراد المجتمع لحفظ الحقوق، و ( الهوية ) حق من تلك الحقوق، المواطنة عقد شراكة قد تنشأ بين أطراف متباينة عرقيا وعقديا وثقافيا، ولا يلزم لقيامها و نجاحها التجانس والتطابق بين مكونات المجتمع، بل يلزم لقيامها وجود تداخل و تلاحم بين المصالح لشعب من الشعوب في وطن حر جامع، ويلزم لنجاحها الإجماع على دستور ضابط وضامن لجميع حقوق مكونات المجتمع ، وأن ينظر للاختلاف في الخصوصيات ( من لغة وثقافة ومعتقد وموروث ) بأنها من الحقوق التي يجب تثبيتها وحفظها لكل طرف ، لأن المساس بها أو استهدفها بطمس أو تهميش يعني استهداف طرف من الأطراف في هويته الذاتية والمعنوية، بمعنى أن المواطنة الفاعلة هي التي تحفظ لكل طرف مكون في المجتمع هويته وخصوصيته التي تميزه عن بقية مكونات المجتمع ، وتحت مظلة الشراكة والمواطنة والتعاون يتم التفاعل الإيجابي بين تلك الخصوصيات المختلفة، لتتولد في المجتمع ثقافة التعايش السلمي، وتختفي ثقافة الإقصاء والتهميش وسياسة الدمج والصهر في قالب معين، ومن الأمثلة على ذلك، وثيقة المدينة المشهورة ، التي كانت بمثابة ميثاق وطني ، راعى لكل طرف ( المسلمون ، واليهود ) خصوصيته وحفظ له حقوقه ، دون أن يترتب على ذلك تخلى طرف من الأطراف عن هويته، فهل نستفيد من وعي أولئك الأولون ، ونحن في القرن الواحد والعشرين ؟ لذلك أتعجب من دعوات الاندماج ولانصهار في هوية وطنية واحدة ،، مما لا شك فيه أن الدمج والصهر القصري قد ينتج عنه هدر للحقوق لأنه في الغالب يكون من طرف على طرف آخر، والمواطنة قائمة على استيفاء الحقوق، هناك ما يسمى ( الأيديولوجية الوطنية ) توجد في الكثير من دول ( العالم الثالث ) غير الديمقراطية، تفرض على مواطنيها عقيدة سياسية معينة بحجة أنها تقدم أفضل الحلول لمشكلات المجتمع وخدمة أفضل للمصالح الوطنية، فتحاول تلك الدول عبر وسائلها الإعلامية وإمكاناتها الأخرى تأطير الناس أطرا، وقصرهم جبرا، إلى تلك العقيدة السياسية، و لا يهم تلك الحكومات ما يصاحب ذلك من هدر للحقوق والكرامة الإنسانية لبعض الأطراف، ونظام الشعبية خير مثال يضرب في هذا المقام، فسياسة الصهر قصرا في المجتمعات ثبت فشلها والشواهد كثيرة في ذلك ( الاتحاد السوفيتي السابق ، ويوغسلافيا التي تفككت ) فلو تأملنا ( الأيديولوجية الوطنية ) للجبهة الشعبية ، نجد الآتي ، أن الجبهة الشعبية سعت في طمس معالم وهويات، وإبراز هوية ومعالم أخرى، وكل ذلك تحت دعاوى المصلحة الوطنية، والوحدة الوطنية ، والنتيجة لا مصلحة ولا وحدة وطنية ، حولت الشعب إلى عمال صخرة نساء ورجلا شيبا وشبابا ، وجعلت البلاد نار تتلظى فعلى الصراخ في كل دار، عملت الشعبية على صهر ودمج المجتمع في بوتقة ( التجرنة ) بقوة السلاح والنار، وهذا يعني طمس خصوصيات الآخرين، جندت الشعبية إمكاناتها الإعلامية والمادية لجعل الشعب على قلب رجل واحد في تلك العقيدة السياسية الفاسدة، وبدأ الشعب المغلوب على أمره ، يهيم على وجهه هربا من الجحيم، وكأن التأريخ يعيد نفسه، فالوطن لا يكفي أن تولد فيه وتترعرع ، ولكن الوطن هو الذي تصان في الكرامة وتجد فيه قوت يومك، وتجد فيه الأمن والأمان، والشعور بالانتماء، وتحقيق الذات والتقدير، وهذا ما يفقده الإنسان الإرتري حتى الآن. الإنسان الإرتري، حورب في قوت يومه، وحرم الأمن والأمان ، وفقد شعور الانتماء ، وفقد الذات والتقدير، إذ ماذا بقي لكرامة الإنسان ؟ . أكتفي بهذا القدر ، واعدا القارئ الكريم ، بمداخلة أخرى تكملة للموضوع، بإذن الله .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *